خالد سينو
طلطميس كلمة غريبة، والاغرب ان تعنون بها مقالة تهتم بالشأن السياسي الكوردي، وهذا غير مألوف، قد يوحي باستهجان شخصي من قبلنا عن هذا او ذاك، لكن مقصدنا فيه لا ينحى المنحى الشخصي، بل ينحى إلى منحاه العام، واكثر دقة نقصد هنا المنحى السياسي ومدى تأثير صفاتنا وتصرفاتنا الشخصية على قراراتنا السياسية وعلى انتمائنا الحزبي، وبالتالي تأثيرنا على قرارات المنظمات التي ننتمي اليها سلباً او ايجاباً حسب ما هو عليه نحن.
ولاننا هنا كجالية في اوروبا حالتنا هي حالة سياسية في مجملها بغض النظر عن وضع البعض منا في سوريا قبل المجيء او الهروب الكبير إلى جنة الخلد (اوروبا) ، هل كانوا بالفعل مناضلين من طراز العم تشي[A2] ، أو سياسين لا يشق لهم الغبار على طراز ونستون تشرشل[A3] ، أو ملاحقين لا يستقرون في مكان ما اكثر من 24 ساعة للضرورة الامنية، أو مسؤولين في احزابهم يملكون من الحجج والبراهين تقنع الاخرين بضرورة ممارستهم لنرجسيتهم عليهم، أم مكيافيلين[A4] غايتهم تبرر وسيلتهم في الحياة والسياسة، ام تراهم كانوا لا شيء في الحياة العامة والسياسية الكوردية في سوريا، وهنا في اوروبا، في جنة الخلد اصبحوا كل هؤلاء الذين ذكرناهم سابقاً، مناضلين، سياسين، ملاحقين نرجسين تشيين ومكيافيليين … ، لكن مع كل ما يدعون البعض منهم طلاطميس عن جدارة، لم يرثوها بيولوجياً بل اكتسبوها نتيجة طفرة شخصية في المدرسة، في الحي، في الوسط الاجتماعي الذي يعيشون، في الوسط الحزبي والسياسي إن كانوا سياسيين او حزبيين. ونحن نقصد هنا طلطميس سياسي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى لان المناحي الاخرى لا تهمنا بقدر ما يهمنا المنحى السياسي، لانعكاس فعله الطلطميسي علينا وعلى حزبه وعلى وضع جاليتنا السياسي في اوروبا.
فما حكايتي مع تلك الكائنات البشرية … مع طلطميس … !
معرفتي بمعنى تلك الكلمة ومدلولها بدأ في المدرسة، كان هناك في صفنا طلطميسان (طالبان)، احدهما طلطميس في اللغة العربية والانكليزية (لوجود عداوة بينه وبين اللغات)، والاخر طلطميس في مادة الرياضيات (كان يكره لغة الارقام)، حاولت الادارة ومدرسوا تلك المواد تقديم المساعدة لهما لكن دون جدوى، فلم يكملا الدراسة احدهم اتجه إلى منهة العتالة (كاره الرياضيات) لانه كان قوي البنية، والآخر اتجه إلى بيع الخضرة على عربة متنقلة (كاره اللغات)، وبعد سنوات طويلة التقيت كلٍ على حدة في احدى احتفالات نوروز، والاثنان كونا رأس مالٍ جيد شقا به طريقهما في الحياة، وصمما على ان لا يكون في خَلَفَتْهُم اي طلطميس مهما يكن الامر، وعلى ذلك كان لكل مادة مدرسية لابنائهم مدرس خاص…
بعد ايام المدرسة صادفت طلطميسات أخرى في كل مجالات الحياة، وما يخصنا هنا الطلطميس السياسي، حيث تعاملت مع البعض منهم في سوريا وبدرجات حزبية مختلفة بدءاً من الفرقة للمكتب السياسي. عند بدايات انتسابي الحزبي عملت تحت أمرة طلطميس سياسي وحزبي بامتياز، لا ينافسه احد في مجاله، وبما انه كان مسؤولاً مباشرا على محليتنا (يعني هو عضو فرع) فكنا نلجأ إليه للاستفسار عن هذه او تلك من الامور السياسية المستجدة، وبما انه كان ذو بلاهة سياسية واضحة فحينما كنا نسأله في بعض الاحيان مضطرين للاستفسار عن موقف الحزب من اي قضية سياسية، كان يجيب : يا رفاق موقف حزبنا بخصوص تلك القضية التي ذكرتموها مبني على ثلاثة نقاط رئيسية يجب اخذها بعين الاعتبار حين تحليل موقف الحزب منها، لكن في ا ستعراضه النقاط الثلاث كان لا يذكر النقطة الاولى مطلقاً، ويقفز على النقطة الثانية، ويتلعثم في شرح النقطة الثالثة فيضطر إلى بلع ثلثيها، فكان لزاماً علينا استنتاج موقف الحزب السياسي من ذاك ثلث الثلث المتلعثم. وقد حاولنا كثيراً تغيره لكنننا لم نفلح لوجود طلطميس آخر في اللجنة المنطقيه يدعمه ولجود آخر في اللجنة المركزية يدعم الذي في المنطقية يعني المسألة كانت سلسلة مترابطة من تلك الكائنات البشرية بخيط خفي يلي تحت يسند يلي فوق ويلي فوق يدعم يلي تحت.
وبهجرتنا إلى اوروبا مثل كل عباد الله في ديرتنا الذين يرون ان طموحهم لن يتحقق إلا على ارض المستشار أوتو إدوارد ليوبولد فون بسمارك [A5] أو في بلاد الضباب ارض الملك ريتشارد قلب الاسد [A6] ، لان الوطن بما فيه يقف حجر عثرة امام طموحهم وامكانياتهم الوهمية مثل امكانيات منظمات احزابنا في اوروبا. المهم قول الطموح الشخصي سقط بالضربة القضية من اول كم شهر (بعد ما شفنا نحن وين والعالم وين) لكن منينا النفس بان هناك مجال واسع من حرية العمل السياسي لاجل قضية شعبنا، والسابقون لنا قد فتحوا فتوحات كثيرة (هكذا كنا نظن قبل مجيئنا)، إذاً لنمارس هوايتنا السياسية على ارض السيد بسمارك، وتوكلنا على الله واتصلنا مع الاصدقاء والرفاق بان المناضل فلان الفلاني الذائع الصيت الذي دوخ ابو كلبچه سبع دوخات (حضرتنا) شرف إلى اوروبا وهو منتظر البدء بالمهام الموكلة له، وأنه بامكانياته الخلبية سيفتح ابواب كثيرة كانت مستعصية عن الفتح قبل مجيئه، بلا طولة سيرة عليكم قل بلشنا العمل وانغمسنا بالنضال، وما هي إلا اجتماعات قليلة هنا مع المنظمة الحزبية التي ننتمي لها، وهناك مع ممثلي المنظمات الاخرى، واذ بنا نكشف ما لم نكتشفه عن الفعل الطلطميسي في سوريا، فَصْطَدِمْنا من جديد مع تلك العقلية السياسية داخل وخارج منظمتنا، وبافعال واعمال وعقليات اقل ما يقال عنها انها تعيش في عصر من المفروض انه قد انتهى منذ ما يقارب من 30 لـ 40 سنة خلت، كما انتهى عصر الديناصورات من قبل.
فالصدمة والاندهاش والاستغراب كان كبيراً بأن نصادف هنا في اوروبا ايضاً تلك العينة الطلطميسية، وبنفس درجات البلاهة وعدم الفهم سياسياً وفكرياً وتنظيمياً إن لم يكن اكثر، وهنا تكمن المشكلة، فعندما تصادف طلطميساً حزبياً لن تكون القضية شخصية كحالة احدهم مع الدراسة أو في الحي الذي يعيش في إحدى بلداتنا المنسية، بل تصبح المشكلة اعمق تلقي بتأثيراتها على وضع تلك المنظمة وعلاقاتها التنظيمية والسياسية مع منظمات اخرى او حتى على وضعها الداخلي، والتي تصبح قراراتها خارج دائرة الحدث السياسي والحزبي فتدخل دائرة الحدث الشخصي وعلى اساسها تبنى ردات الفعل مما يغلفها بالعصبية الشخصية والحزبية، فتعود حينئذ المنظمة الحزبية او الحزب ككل اسير لذاك الذي فقد او لم يكتسب بالاساس الفقه السياسي او الحزبي الذي يُمْكِنُه من بناء علاقات شخصية او حزبية بينية داخلية وخارجية تؤهله لنيل ثقة الآخرين والمساهمة معه في دفع اجندة حزبه السياسية والنشاطية قدماً نحو الامام، فذاك الفرد او المسؤول السياسي او الاعلامي او التنظيمي هو نتاج عقلية طلطميسية لدى البعض من القيادات الاحزاب الكوردية (نقول البعض حتى لا نعمم المسألة) والتي بفهمها السياسي والفكري الضيق والطلطميسي غير قادرة على تجاوب مع المتغيرات والاحداث السياسية او التنظيمية المتسارعة، فتكون خطواته دائم متأخرة، معرقلة متصارعة مع الاخرين، فبدلا من البحث عن الحجج والحلول التي تجعل من انتمائه السياسي رائداً في العمل والسياسة، تراه بعقليته تلك يجعل الحزب او المنظمة الحزبية اسيرة شخصه وفهمه المتخلف والمتحجر للاحداث والمسائل السياسية، تبنى العلاقات من خلال شخصه ونظرته وفهمه للامور، لا من خلال الظروف والاحداث والمتغيرات السياسية على الساحة.
ففي عملنا الحزبي القصير في اوروبا صادفنا نماذج عدة من تلك الكائنات البشرية الذين ولفوا تلافيف مخهم ومخيخهم بترددات لا تستقبل إلا موجات معينة وعلى هذا انهم غير قادرين على التجاوب مع الاخرين لاختلاف الترددات الموجية الصادرة والمستقبلة لديهم، بل تجدهم في حال صدام دائم ومباشر مع الذي يجلس بجانبهم او مقابلهم، القريب منهم او البعيد، المكان والوضع والظرف والحدث لا يهم، بل المهم بالنسبة لهؤلاء هو ان يكون ترددات مخك موالف تماماً مع تردداتهم المصابة بلوثة عدم الفهم السياسي.
احد الذين صادفتهم كان مولف على نغمة واحدة لا يغيرها مهما تغيرت الموجات والترددات حوله او داخل حزبه ومهما تبدلت الظروف، هو هو ثابت لا يتغير صامد لانه ببساطة مبدئي ولا يغير قناعاته مثل الاخرين، هكذا تربى وفهم المبدئية الحزبية والسياسية، والتي اعتبرها مسألة جامدة لا تحتاج إلى التفاعل والتغير حسب الظروف والوضع والامكانات، لقد كان مقتنعاً إن المطلوب منه فقط المحافظة على موقفه الحزبي والسياسي الذي حفظه على ظهر قلب منذ ان كان في سوريا ايام اجتماعات الخلية والفرقة السرية في إحدى القرى او البلدات، تناسى صاحبنا تماماً انه يعيش في القرن الـ 21 وأن الاشتراكية انهارت وانهار معها مبدأ الحزب الواحد والاوابد السياسية والمانيتان اصحبت المانيا واحدة، وان العالم انفتح على بعضه بفعل ثورة الاتصالات التي باشرها العم سام [A7] وليس الرفاق السوفييت.
الطلطميس الثاني كان مولف على قولين في السياسة اما معه او ضده لا مكان للبينية عنده، لقد كان اقرب إلى روبوت آلي منه إلى كادر حزبي وسياسي، تم توليفه حزبياً على لونين في السياسة، هما الابيض او الاسود، إما تكون معه تهز الرأس موافقاً تأييداً له في كل شاردة وواردة عندها تكون بالنسبة له الابيض والصديق والرفيق المناضل، لا يشق لك ولنضالك ولحزبك الغبار بغض النظر عنك كشخص وكفهم وامكانيات منظمتك او حزبك، بل تتمثل فيك كل المقاومة والممانعة، أما اذا كنت مختلفا عنه ولو بدرجة لونية واحدة فيعجز عن فهم هذا الاختلاف الجزئي لاصابته بالعمى السياسي المزمن، عندها ستكون انت وما تمثل في مرمى نيرانه العشوائية، وسيفرض عليك معركة جانبية معه ومن خلاله مع منظمته الحزبية او حزبه ككل لانه كشخص اهم لدى رفاقه من كل شيء حتى من القضية، فالموقف يبنى من خلاله وعبره من الاخرين، على رضاه يتوقف رضى الحزب، على تجاوبه يتوقف تجاوب الحزب، على مشيئته ومزاجيته ومدى انفراج اساريره لحظة اتخاذ قرارٍ ما يتوقف قرار الحزب او المنظمة التي يمثلها. وعندما تصل الامور إلى هذه الدرجة من الغباء السياسي المزمن تتحول بموجبها جهود الحزب او المنظمة الحزبية ما للدفاع عن طلطميسها السياسي في وجه الاخرين تتحول السياسة إلى الكارثة، والنباهة إلى البلاهة والبلادة، وينحرف الفعل السياسي عن مساره الطبيعي ليوظف في الخدمة الشخصية، لان الحالة هذه يصبح الشخص بحد ذاته اهم من كل ما يمارس بحق شعبنا الكوردي في سوريا.
تحت تلك التأثيرات اضطررنا الى الركون والتراجع والجلوس والانتظار على صف المنتظرين والمنسحبين قبلنا، لكن مع ذلك لم نتخلص من تلك الراكونات، الذين بدأوا يلاحقونا هنا او هناك، على النت، في البالتوك، عبر الايميلات، في المظاهرات الاحتجاجية المقامة في بروكسل، برلين، باريس, ستراسبورغ ، لاهاي … الخ.
فهل من مغيث لنا من هؤلاء …
ودمتم
[A1]شخص ما، يحب المشاغبة في بعض الاحيان مع انه هادئ ، يحاول ان يمارس السياسة، و يدعي انه ليس طلطميس في اي مجالات الحياة يتأقلم مع الاخرين مهما بلغت درجة اختلافه معهم، بشرط ان لا يكونوا طلاطميس. له تجربة حزبية وسياسية بسيطة، يستشف منها فهماً للاحداث هنا وهناك، وله صلات مع بعض منظمات احزابنا الكوردية وبعض الهيئات، يحاول ان يستفيد منها(مسألة الاستفادة من الصلات في الكتابة قد تكون انتهازية) في كتاباته التي لا تسر البعض فتغيظهم، وتسر الاخرين وهم كثر، وعلى هذا الاساس يبدو انه سيستمر بالكتابة وهي هواية اكتشفها اخيراً.
[A3]السير ونستون ليونارد سبنسر تشرشل (30 نوفمبر 1874 - 24 يناير 1965 في لندن).ولد في قصر بلنهايم في محافظة أكسفوردشاير في إنجلترا. كَانَ رجلَ دولة إنجليزيَ وجندي ومُؤلفَ وخطيب مفوه. يعتبر أحد أهم الزعماءِ في التاريخِ البريطانيِ والعالميِ الحديثِ.
[A6]هو ملك إنجلترا (1189-1199 م)، وابن الملك السابق هنري الثاني، ينحدر من الأسرة الأنجيفية (أو بلإنتاجانت)، والتي ترجع أصولها إلى مقاطعة أنجو في فرنسا.
يعود اسم العم سام إلى القرن التاسع عشر إلى حرب سنة 1812 تحديدا. الاسم مأخوذ من اسم جزار محلي أميركي يدعى صموئيل ويلسون Samuel Wilson. كان هذا الجزار يزود القوات الأميركية المتواجدة بقاعدة عسكرية بمدينة تروي الواقعة ب ولاية نيويورك، بلحم البقر، وكان يطبع براميل هذا اللحم بحرفي U.S. (أي الولايات المتحدة) إشارة إلى أنها ملك الدولة. فأطلقوا لقب العم سام على التاجر. فحرف U للرمز إلى Uncle اي العم و S إلى Sam أي سام..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق