الثلاثاء، 2 أكتوبر 2012

أوراق من السيرة الحزبية ــ 2


خالد سينو

ما قبل المؤتمر الثاني

عقد الحزب مؤتمره الأول في  كُردستان العراق(1972) بعد مرور سنتين على المؤتمر الوطني (1970) الذي عقد ايضا في كردستان العراق برعاية البارزاني على امل توحيد شقي الحزب يمين/يسار وحضور شخصيات وطنية بهدف لم الشمل وخلق الديناميكية السياسية والتنظيمية وتجاوز منطق التكتلات التي استنزفت الحزب تنظيمياً وسياسياً منذ 1965.
تجربة الوحدة تحت سقف بارتي ديمقراطي الكردي في سوريا لم يكتب لها الاستمرارية بعد مرور ستة أشهر او أكثر كنا امام واقع وجود ثلاث احزاب لعوامل ذاتية تتعلق بطبيعة الصراعات السياسية والتنظيمية بين الشخصيات التي ارتبط بها تلك الصراعات السادة (عبد الحميد درويش، رشيد حمو، صلاح بدر الدين، ملا نيو)، هذه التجربة يجب ان تفرد لها ابحاث خاصة من قبل الاشخاص الذين عايشوا تلك التجربة.

ولأن مؤتمر البارتي عام 1970 سمي بالمؤتمر الوطني للحزب، وهو بداية انطلاقة جديدة للحزب المؤسس في 14 حزيران 1957، سمي مؤتمره المنعقد عام 1972 في كُردستان العراق بالمؤتمر الأول وفيه تم انتخاب قيادة جديدة ساهمت إلى حد كبير وبنجاح ملفت في الحفاظ على هيبة وقوة البارتي السياسية والتنظيمية والجماهيرية.
تلك القيادة دافعت عن نهج البارتي القومي والوطني بكل جدارة ورفعت من اسهم الحزب في الساحة السورية والكردستانية، وكموقف سياسي من مشروع الحزام العربي زجت السلطات السورية باغلبهم  في غياهب السجون سنين طويلة بعد أن اصدرت اللجنة المركزية بياناً سياسياً ضد  المشروع العنصري الذي بدء خطواته التنفيذية على ارض الواقع عام 1973 لتعريب المنطقة الكردية على طول الحدود السورية العراقية، والسورية التركية بطول 370 كم وعمق 10كم..  
على ابواب النكسة في  كُردستان العراق تفجر صراع في قيادة الحزب آنذاك بين المرحوم الشيخ محمد باقي والياس رمضان (وصلت لحدود اتهامات على الصعيد الشخصي من الناحية الوطنية، متجاوزة المنطق السياسي والتنظيمي لأسس وجذور الخلاف ـ "إن وجدت") والتي انتهت بأعلان الياس رمضان استقالته من الحزب (في اجتماع للجنةالمركزية في قرية شور الشرقي) وكان الهدف من ذلك تحيده للاستفراد بالحزب، لان الصراع بدا خفياً بعد اعتقال سكرتير الحزب (1973) حيث انتخب المرحوم عبد الحميد سينو للمنصب وهذا لم يرق للمرحوم شيخ باقي الذي كان يتحضر ذاتياً للمنصب.   استفاقت تلك الامنية مجددا بعد النكسة دفعا من قبل الاحداث التي تلت وبالاخص إعلان عن تشكيل الاتحاد الوطني الكردستاني وحاجته إلى حلفاء على الساحة الكُردية والثأر من قيادة ثورة ايلول (على خلفية خلافات قديمة تعود لـ 1966 في الحزب الديمقراطي الكُردستاني/العراق) بتصفية خطها القومي على مستوى الكُردستاني. تلك العقلية الثأرية المستندة إلى الاجندة الشخصية ستصبح فيما بعد هي المحرك الرئيسي للتطورات التنظيمية في البارتي وعلى مدى تاريخه اللاحق.
الاحداث القت بثقلها الضاغط على قيادة الحزب، ومما زاد من حدة الأمور، فمن جهة قسم من قيادة الحزب وكوادره بالسجن ، ومن جهة أخرى الحليف الكُردستاني يتعرض إلى حملة على صعيدين خارجي بتكالب القوى الدولية والاقليمية ضده وقرار بتصفية الثورة أثر اتفاقية جزائر الخيانية برعاية امريكية وبتوقيع ايراني ـ عراقي ، وترحيب سوري وتركي، وحملة داخلية بدعم قوى من داخل الديمقراطي الكُردستاني نفسه نفخ الروح فيها وثُبتت على الساحة الكُردستانية كتيارات مناهضة سياسياً وقومياً لقيادة البارزاني التي لم تساوم على الحق القومي للشعب الكُردي.
ضمن هذه التوليفة السياسية المعقدة كُردياً واقليمياً انشطر الحزب عمودياً، فقد عجل المرحوم شيخ محمد باقي بعقد كونفراسه حتى لم ينتظر عودة رفيقه الاستاذ محمود صبري المرسل الى قيادة  كُردستان العراق وفي جيبه استقالة الياس رمضان ولاطلاعهم على واقع حال الحزب وخلافاته.
تم عقد الكونفراس تحت مقولة دراسة متطلبات المرحلة بسبب حملة الاعتقالات ضد الحزب وكوادره، والتهيء لمرحلة ما بعد النكسة لثورة ايلول في  كُردستان العراق، وأن القيادة الكُردستانية تدعم الكونفراس ونتائجه بهدف اخراح الحزب من واقعه، هذا من حيث الظاهر اما الحقيقة كانت غير ذلك لأن دعم الحليف الكُردستاني ودراسة واقع الحزب لا يستلزم عقد كونفراس انشقاقي لا يحضره سكرتير واكثرية قيادة الحزب المتبقةوقسم من الكوادر والقواعد الحزبية.
حقيقة استجابت اكثرية قواعد الحزب للكونفراس، وبدا للحظة أن الشرعية الحزبية تمثلت فيه، لكن ذلك كان إلى حين. استنفرت القيادة المتبقة للحزب ( حميد سينو ـ مصطفى ابراهيم ـ زكريا احمد ـ ابو احمد هوريك ) قواها وقسمت المناطق إلى قطاعات وبدأت الندوات السياسية والتنظيمية والمواجهات بين طرفي الخلاف، والتي اثرت بشكل كبير في موازين القوى وعودة الأكثرية العظمى من الرفاق الذين انجروا وراء قيادة الكونفراس وعودة ثقل التنظيم الاساسي في الجزيرة وحلب ودمشق إلى الحزب.
في هذه الفترة وفي تلك المعمعة الانشقاقية عقدت قيادة الحزب اجتماعا مع الاستاذ جلال طالباني امين عام الاتحاد الوطني الكُردستاني، حيث طلب منها إدانة بشكل واضح وصريح نهج الحزب السابق نهج البارزاني الخالد وتقديم آيات الولاء والطاعة له ولتياره الذي سيكتسح كل قديم وعشائري واقطاعي، وسيحل محله فكر ديمقراطي ثوري جديد وما إلى ذلك من الشعارات الثورية الرائجة في السوق السياسي. بعبارة أخرى كان المطلوب انقلاباً على الذات والتنكر لتاريخ الحزب السابق والانطلاق من لحظة انطلاقة الاتحاد الوطني الكُردستاني. لكن قيادة الحزب كانت حاسمة وسريعة في هذا الاتجاه، موضحة بأن هناك أمور لا يمكن المساواة عليها بالأخص الخط القومي للحزب، فليس هناك ما يعيب سياسة الحزب في هذا الاتجاه، وان اتفاقية الجزائر وواقع النكسة لا ولن تبرر انقلاب الحزب على الذات، فأصدرت القيادة بياناً بعنوان (مهلاً يا هيئة الاتحاد أعده المرحوم حميد سينو) حيث عرت فيه سياسة الاتحاد ودافعت بشدة عن نهج الحزب الوطني والقومي، وبالنتيجة كان اعتقال سكرتير الحزب، حيث تم تحميله بشكل شخصي البيان وما جاء فيه، ولتحقيق ما عجز عن تحقيقه سابقاً بالترغيب والوعيد.

ظروف وملابسات اعتقال سكرتير الحزب ـ المرحوم حميد سينو:

في ظروف المحنة ونكسة ثورة ايلول الكُردية في  كُردستان العراق انشق الحزب على خلفية نزاعات شخصية اول الامر وخلافات  كُردستانية كنتيجة لانبثاق الاتحاد الوطني الكُردستاني من رحم الديمقراطي الكُردستاني العراق، ولاستمالة القاعدة الحزبية والجماهيرية كل طرف يستخدم ما هو متوفر لديه من مواقف سياسية وتنظيمية، ولأجل ذلك عقدت ندوات سياسية وتنظيمية في مختلف مناطق التواجد الكُردي، وإحدى الندوات كانت مقرراً فيها أن تكون مناظرة بين المرحومين (حميد سينو وشيخ محمد باقي) في قامشلي (حي هلالية)، وفي موعد المنتظر للندوة حضر المرحوم حميد وتخلف المرحوم شيخ باقي مرسلاً السيد محمد نيو كبديل للمناظرة الحزبية (للعلم محمد نيو لم يكن حزبياً لوجود قرار تنظيمي بحقه)، رفض الحضور وسكرتير الحزب البديل الغير الحزبي المرسل لعدم وجود صفة تنظيمية لملا محمد نيو في الحزب انذاك، فتم توضيح موقف الحزب من الخلافات السياسية والتنظيمية، وتوجه المرحوم حميد سينو بعدها إلى بيت المرحوم مجيد حاجو حيث مكث ليلته هناك، وفي الصباح الباكر اقتحم الأمن البيت واعتقل حميد تم تسفيره في نفس اليوم إلى دمشق. وقد وضح المرحوم مجريات التحقيق فيما بعد بتقرير مفصل عند اطلاق سراحه للحزب، حيث تم توجيه بحدود 13 سؤالاً له اكثرية لاسئلة كانت تتعلق بعلاقة الحزب مع الديمقراطي الكردستاني، عمق العلاقة، الارتباط والدعم السياسي المتبادل، ماهية تلك العلاقة والهدف منها، بالاضافة إلى اسئلة أخرى تتعلق بوضع الحزب في سوريا وسياسته ومطاليبه ...الخ.

 اجتمعت قيادة الحزب مرة ثانية بمسؤولية الاستاذ مصطفى ابراهيم (كسكرتير جديد للبارتي) مع قيادة الاتحاد وحمّلتها مسؤولية اعتقال سكرتير الحزب، وان التاريخ سيحملكم مسؤولية ذلك، ومعاهدة بنفس الوقت على المضي قدما في نهج الكردايتي الذي عرف به البارتي منذ التأسيس، هذا بالرغم من التهديدات التي تعرض لها قيادة الحزب انذاك بعدم خروجهم أحياء من دمشق. واجمالاً يكمن الهدف من اعتقال سكرتير الحزب السيد حميد سينو 1976 :
  1. عزل الحزب عن تنظيميه الاساسي في الجزيرة على اعتبار ان حميد هو الوحيد من القيادة من منطقة الجزيرة اما الاخرين مصطفى ابراهيم من كوباني وهوريك وزكريا من عفرين، لقد تناسوا بان ما يجمع قواعد الحزب مع قيادته هو النهج وليس الشخص بحد ذاته.
  2. تخويف الباقين من قيادة الحزب من سياسة المواجهة مع قيادة الاتحاد المشكلة حديثاً.
  3. فسح المجال امام قيادة الكونفراس لاخذ النفس والانطلاق من جديد لتزعزع نهج الحزب سياسياً وتنظيمياً وجماهيرياً في  كُردستان سوريا.
  4. بروز ظاهرة جديدة في تعامل فصائل  كُردستانية مع بعضها، وهي التدخل المباشر في الشؤون الداخلية لبعضها لتجيير سياسات الاحزاب خدمة لتوجهاتها، وإن استلزم لاجل ذلك تدخل حكومات الغاصبة ل كُردستان.

مرة أخرى خابت الأمال باستنفار كل القوى المتاحة وعودة الرفيق الياس رمضان الى صفوف الحزب، فتجاوز الحزب المحنة رغم فداحة الأمر والظرف الاقليمي والدولي المضاد لنهج الحزب القومي.

في ظل هذه التعقيدات والمواجهات لم ينس الحزب واجبه القومي تجاه اجزاء  كُردستان الأخرى وتجلى ذلك بمشاركة البارتي في صياغة قرار اندلاع ثورة 26 أيار عام 1976، وذلك اثر اجتماع مشترك لممثلي قيادة الاحزاب (الحزب الديمقراطي الكُردستاني /العراق ممثلاً بجوهر نامق ـ الحزب الديمقراطي الكُردستاني/ تركيا ممثلاً بدرويش سعدو ـ الحزب الديمقراطي الكُردي في سوريا (البارتي) ممثلا بالمرحوم ابو أحمد هوريك)، وهذا ما حدا بالرئيس مسعود البارزاني إلى التصريح علانية في مؤتمر حزب الديمقراطي الكُردستاني التاسع المنعقد في عام 1979 إلى القول حرفياً ـ أقولها للتاريخ لولا مساعدة الحزب الديمقراطي الكُردستاني ـ تركيا والحزب الديمقراطي الكُردي في سوريا (البارتي) ـ لما كانت ثورتنا الآن.
في تلك الظروف المعقدة والقاسية التي كان يمر بها الحزب، كان قراره ومبادرته كبيراً في تلك المشاركة المباركة وهي لم تكن نظرية بل عملية تجسدت في الدعم البشري والمادي ولتتكلم كوادر تلك الفترة بالاخص الذين كانوا في منطقة الحدود العراقية ـ السورية، لتتكلم ظهورهم ماذا حملوا وكم قاسوا البرد وكم تحملت بطونهم الجوع وكيف تقاسموا لقمة عيشهم مع بيشمركة  كُردستان، سرايا وطلائع ثورة 26 أيار ، التي كانت ردا حاسما وسريعا على واقع النكسة المدمي.

في هذه الظروف والتعقيدات تم عقد المؤتمر الثاني للحزب عام 1977، على أمل الاستفادة من الخبرة والتجربة السياسية والتنظيمية المتراكمة لدى الحزب لما مضى للانطلاق على اسس وقواعد تغيرت فيه بعض موازين القوى اقليمياً ودولياً  وكُردياً.
وهذه الانطلاقة المزمعة هل كانت ممكنة ؟ أم ان الامور تبدلت والوضع بات يستلزم ظهور قوى واسماء اخرى لتلتمع في سمائنا القومي الكُردي في سوريا، لتمارس شخصنتها علينا.
للحديث بقية ………

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق