المؤتمر والآمال المنتظرة
خالد سينو
فكرة عقد المؤتمر ليست جديدة، طُرحت مراراً على
طاولة البحث الكوردي ولم تلقى النجاح لعوامل ذاتية وموضوعية تتعلق بوضع الفصائل
الكوردية والصراع البيني والمشاكل التنظيمية ضمن الهيئات المشكلة السابقة (التحالف
ومجلسه، الجبهة الكوردية، وفيما بعد المجلس السياسي الكوردي). إن عقده ضمن الظروف
والشروط الصحيحة (وإن كان متأخراً) يعتبر
خطوة أولية وأساسية في الاتجاه الصحيح نحو بناء مرجعية كوردية ذات صلاحية سياسية
وتنظيمية تستطيع القيام بواجبها القومي بطرح قضية شعبنا الكوردي في سوريا على
أجندة القوى الديمقراطية السورية وإقرارها كإحدى القضايا الاساسية تستلزم الحل
الديمقراطي والدستوري. لهذا نرى كُثرت العناوين التي ناقشت مفهوم عقد المؤتمر
الوطني الكوردي في سوريا بحثاً وتحليلاً، واحياناً قصفاً عابراً لحدود كوردستان
سوريا وصولاً لاقليم كوردستان العراق. هذا التناول المكثف لوجهات النظر المختلفة للمؤتمر
يدل على الأهميته الكبيرة من ناحية توحيد الخطاب السياسي الكوردي الذي بدا عليه
الارتباك السياسي والتشتت التنظيمي في اتجاهات عدة قبل وفي زمن الثورة السورية
العظيمة. والأهمية الثانية للمؤتمر تأتي من فكرة الإصلاح السياسي والتنظيمي للوضع
الكوردي، وهاتان المسألتان تعتبران التحدي الأول أمام المجموع الكوردي على اعتبار
إن ما وصل إليه الوضع من التردي السياسي والتنظيمي والجماهيري كان وما يزال من
جراء الاستبداد السياسي الذي مارسه النظام الدكتاتوري السوري طيلة العقود الماضية
ضد الشعوب السورية، ومن جهة ثانية جراء التشتت والانقسام التنظيمي الكوردي على
خلفية أجندات شخصية لا تستند إلى الواقع السياسي الكوردي الفعلي أو الصراع الفكري
داخل أحزابنا. الاهمية الثالثة للمؤتمر تنبع بالنهوض في ظل هذا الواقع المشتعل
سورياً والتفهم الديمقراطي لمسألة الصراع السياسي بين الاجندات المختلفة بدءاً من
الفصائل الحزبية ومروراً بالشخصيات والفعاليات الثقافية والاجتماعية وصولاً
للتنسيقات الشبابية الكوردية التي انبثقت على وقع الثورة السورية واثبتت الفعالية
السياسية والتنظيمية والجماهيرية بالرغم من عمرها القصير وتعددها المفرط وفي ظل
الهجمة الأمنية السورية على كل صوت حر ينادي بالحرية لسوريا. والأهمية الثالثة
لعقد المؤتمر تنبع من خلق ثقافة قبول الأخر المختلف سياسياً كان أو تنظيمياً
للوصول إلى توافقات سياسية وتنظيمية تخدم القضية الكوردية سورياً ليس كقضية مواطنة
سورية له من الحقوق والواجبات الاساسية، بل لتثبيت مسألة وجود الشعب الكوردي في
سوريا على ارضه التاريخية والإقرار الدستوري بحقوقه القومية المشروعة كإحدى المفاعيل
الاساسية لسوريا المستقبل، وبالتالي تحديد الموقف السياسي الواضح من الثورة والنظام
ومسألة التغيير في سوريا، وما هي الأجندة الكوردية بخصوص المشاريع التغييرية التي
تطرح على الساحة داخل سوريا وخارجها، حيث يلاحظ لليوم عدم تبني الجانب الكوردي
(كمجموع) الموقف الواضح من كل ما يجري بعد تخليه عن سابق إصرار وتصميم عن مباردته
السياسية تفعيلاً وتطويراً.
إن طرح المؤتمر ضمن السياق الذي ذكرناه سابقاً كان
يستلزم تشاوراً جمعياً بين كل القوى الفاعلة في الواقع الكوردي السوري بغض النظر
عن حجم ومدى الفاعلية على أرض الواقع أو الخلاف السياسي والتنظيمي البيني،
وبالتالي نبذ مفهوم الهيمنة (سياسياً وعددياً) لأننا كواقع كوردي عانى وما يزال من
هيمنة الاستبداد والتنكر لحقوقنا تجعلنا من رواد نبذ تلك الافكار التي تتعارض
والمفاهيم الديمقراطية التي ننادي بها احزاباً وأفراداً قعوداً وجلوساً. إن مخاض
ولادة المؤتمر من رحم الثورة السورية، وحواره الماراثوني، والخلافات المرافقة قبل
الدخول إلى قاعته وتجربتنا الديمقراطية الضعيفة هي امور تجعلنا نترقب بحذر ما سيؤول إليه الوضع داخل المؤتمر وفيما بعد، وستضع
الحركة بمجموع فصائلها (على الاقل الراعين للمؤتمر) أمام استحقاقاتها السياسية
والتنظيمية والجماهيرية وفهمها لأسس الصراع الديمقراطي والياته كمدخل أن يكون
علامة فارقة في علاقة الفصائل الكوردية البينية وعلاقتها مع الأطر خارج ملاكها
التنظيمي للوصول إلى إداء سياسي قائم على الاداء الفعّال والشفافية تؤسس لدور هام
وفعال في المرحلة الحالية ولمرحلة ما بعد زوال الدكتاتورية في سوريا، والتي ستفرز
قوى سياسية كوردية وعربية مختلفة في رؤيتها وبنيتها وتفاعلها مع الشارع عما قائم
حالياً بصيغها الكلاسيكية المعروفة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق