خالد سينو
هي بشرى لأحلامنا، لآمالنا، لطموحاتنا، لتقدمنا … هي البشرى المؤجلة لعامٍ بعد عام، لعقدٍ بعد عقد، ولجيلٍ بعد جيل … أنه فعل مفعولٌ بنا بفعل استكانتنا ونكوصنا ورهن إردتنا للآخر المتحكم بنا بفرمانته العثمانية، وقراراته الاستثنائية، ومشاريعه القراقوشية، ونظرته الدونية للآخر… هي البشرى الملغاة.
في خبر منشور على النت يصرح البعثي فايز عزالدين (استبعد أن يصدر قانون للأحزاب خلال انعقاد المؤتمر المقبل للحزب، مشيراً إلى أن هذا القانون ليس مرتبطاً بالمؤتمر بل بالظروف السياسية والفكرية والعقائدية وظروف التوافقات الوطنية التي تمر بها سورية). فالقول هنا بأن الظروف السياسية والفكرية والعقائدية لم تنضج كفاية في سوريا ليتم إقرار قانون الأحزاب حيز التطبيق، هي أحجية بعثية بأمتياز منذ انقلابها عسكرياً ومخابراتياً على سوريا (1963)، وتحكمها بالعباد والثروات التي تحولت كلها إلى أرقام لحسابات سرية لأصحاب المبادئ الفكرية والعقائدية في البنوك خارج التغطية الوطنية في اوروبا وامريكا. يتناسى أبواق البعث بأن المجتمع السوري في مرحلة ما قبل الاستقلال وبعده إلى تخوم دولة الوحدة بين سوريا ومصر (1958) كانت من أنشط المجتمعات الشرق أوسطية في المجال الحراك السياسي والاقتصادي والثقافي، ومنفتح اجتماعياً تسود علاقات الود والتآلف بين مختلف الأديان تنتفي فيه مظاهر الانغلاق والتزمت الديني، وكانت تعد بأكثر من تطور وانفتاح لبناء الذات السورية بمختلف مكوناتها السياسية والقومية إن ترك الأمر لتلك المبادئ الديمقراطية الجنينية التي تشكلت في المجتمع السوري أن تتطور وتنطلق إلى آفاق أكثر رحابة وانفتاحاً، بدون أن تتدخل عسكرياً لكبح جماح المجتمع برمته وتسخير كل طاقات سوريا لتلبية مصالح فئة ثبتت نفسها قائدة للدولة والمجتمع بفعل قوة آلتها العسكرية والأمنية.
القيادة غير المباركة التي استحوذتت على قيادة الدولة والمجتمع منذ انقلابها المشؤوم (1963)، ترى بأن المجتمع السوري لا يزال في الطور التشكل سياسياً وعقائدياً، وعلى هذا فهي لا ترى بأن الوقت قد حان لرفع وصايتها وانتدابها السياسي والعقائدي عنه أو إقرار قانون الأحزاب يلبي طموحات الشعب السوري السياسية والديمقراطية بمختلف إنتماءاته السياسية والقومية، لأنها (القيادة التاريخية) للدولة والمجتمع تتجسد فيها كل الآمال والطموحات، عندها تبدأ وتنتهي كل حراك سياسي أو ثقافي أو اجتماعي أو فكري عقائدي أو إيدولوجي.
فالمجتمع السوري في مفهوم البعث ومروجيه ومنظريه غير ناضج أو واعٍ ومدرك سياسياً، نحن لازلنا أحداث غير مكتملين وعياً وثقافة وفكراً وسياسة وحتى إنسانية، وعلى هذا نحن بأمس الحاجة إلى البعث ونظرياته القومية والعقائدية لكي يقودنا، يرشدنا، يتولى أمرنا، يأخذ بأيدينا إلى بر الأمان، وهذا البر بناء على ماسبق من أحداث وتغيرات كونية وإقليمية وسورية الخاصة جداً (على شاكلة تغير الدستور في خمس الدقائق ليخلف الأبن أبيه على العرش) لن ترى النور في المستقبل القريب ولا البعيد، وما يعدنا البعث بتحقيقه ذكرني بما قاله الشاعر نزار قباني في قارئة الفنجان :
.................
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
...............
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ..
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي.. مفقودٌ.. مفقود
فمنذ اربعة عقود ونيف نُحكم بقانون الطوارئ والمخلفات التاريخية لعقائد البعث البائدة بفعل التاريخ وتطور الحياة، وقوانين أخرى استثنائية تحكم علاقاتنا السياسية، الاجتماعية، الثقافية، وإلى حداً ما الشخصية، هي مقيدة بفعل تلك الأسوار الحديدة التي طوقتنا بها. سماءنا غير ممطرة بغير مطر البعث التي جلبت لسوريا البلاء والقحط السياسي والاقتصادي التي انتجت بدورها مخيمات اللاجئيين ولكن هذه المرة لاجئون سوريون في سوريا بفعل نظريات البعث الاقتصادية والسياسية التي طبقت بشكل اكثر خصوصية على الشعب الكوردي في سوريا حرمته من الأرض والعمل فيه التي كانت تنتج لسوريا سلة غذائية فائضة عن حاجة الشعب السوري برمته. وطريقنا إلى الحرية مسدود ومقموع بفعل العقلية التي لا تسمح بالتفكير خارج نطاق البعث ومفهومه الأمني عن الحرية والديمقراطية، وحلمنا الديمقراطي نائم في قصر البعث المرصود والمحروس بالأجهزة الأمنية المختلفة، فمن طالب بها أو تفوه بها أو نظر إليها أو تمناها في احلامه .. مفقودٌ.. مفقود وفي الأقبية مغلولٌ مقيود….
فهل بعد هذا من نعمة … ولنغني مع عبد الرحمن آل رشي "انا سوري آه يا نيالي"…!
دبوس في عين حسّادنا، على نعمة نحن لسنا مدركين لها… نعمة الوصاية… الانتداب… عدم ارهاق الرأس بالتفكير … هناك من يتولى الأمر بدلاً عنا … .
ودمتم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق